gototopgototop
Get Adobe Flash player

ترجم الموقع إلى لغتك

من كتاباتي

  • الموت في المفهوم المسيحي
  • المفهوم المسيحي للعشاء الرباني
  • نؤمن بإله واحد
  • عودة المسيح ثانية ودينونة العالم
  • الزواج في المسيحية
  • المفهوم اللاهوتي للثورة
  • الثالوث في المسيحية توحيد أم شرك بالله

ابحث في الموقع

رأيك يهمنا

هل تعتقد أن الأعمال الحسنة والأخلاق الجيدة تؤدي بالإنسان إلى الجنة؟
 

زوار من كل مكان

free counters

المتواجدون الآن

يوجد حالياً 15 زائر متصل
الرئيسية مقالات ومختارات مقالات ثقافية مقالات ثقافية قسطنطين والمسيحية كديانة رسمية: بركة أم ...؟ -

د. القس عبدالمسيح إسطفانوسقُوبِلَ المسيحيّون مِنَ البدايةِ باضطهَادٍ عَنِيفٍ مِنَ اليهودِ بِمُختلفِ تَوجّهَاتِهم، ثُمَّ مِنَ الرُّومان حيث كان مطلوبٌ من كُلِّ إِنسانٍ أَنْ يظهرَ مرّةً واحدةً عَلَى الأَقلِ كُلّ عامٍ لِيأخذَ وَلَوْ قليلاً من البُخورِ، وَيُقدّمهُ قَائلًا: “قيصر رَبّ”. كان هُناك إِعفاء خاصّ لليهودِ. أَمَّا المسيحيّون الّذين لا يقبلونَ ذلك بطبيعةِ الحالِ، فكانوا يقعونَ تَحْتَ طائلةِ القانون!

أَمَّا الدّولةُ الرُّومانيّة فكانت تُمزّقُهَا الانقسامَات وتَنافس القادةِ عَلَى كُرسِي الإِمبراطوريّة، مِمَّا نَقرأُ عَنهُ الكثير. كَمَا أَنَّ الحربَ  مع الفُرسِ أَنهكت الإِمبراطوريّتين كَثيرًا، وَهيّأ هَذَا وذَاك الأَجواء لِفتُوحَاتِ العرب!
كان هُناك صراع كبير على كُرسي الإِمبراطوريّة مَا بَيْنَ القائدِين الرُّومانيّين الكبيرِين: قُسطنطين ومكسينتايوس،        وأَبصر قُسطنطين فِي رُؤيا السّماءَ وَعَلَى صَفحَتِهَا الحرفين أَوّل حرفين مِنْ اسمِ المَسيحِ فِي اللُّغة اليُونانيَّة،              وسمعَ صوتًا يُناديه “بِهَذِه العَلامة تَنتصرُ” فَسارع بِرسمِ هَذِه العَلامة على خوذتهِ وخوذةِ كُلِّ قوادهِ وكُلِّ أَدواتِ حربهِ. وَمِنْ ثَمَّ انتصرَ في الحربِ.
وصدرَ فِي سنةِ 313 قرارٌ أَصبحت المسيحيّةُ بِمُوجبهِ الدّيانةَ الرّسميّة للإِمبراطورّية. وأّيّدَ قُسطنطين المسيحيّةَ بقراراتٍ كثيرةٍ، منها أَنْ جعلَ يومَ الأَحد -يوم احتفالِ المسيحيّين بقيامةِ المسيح مِنَ الأَمواتِ- يومُ العُطلةِ الرّسميّة بَدلاً مِنْ يومِ الخميس. ونقلَ عاصمة الإِمبراطوريّة مِن رُوما إِلى القُسطنطِينِية -الَّتِي أَسّسها سنة 330، وحَملت اسمهُ إِلى أَن غَيرّت الدّولة العُثمانيّة اسمَها إِلى اسطنبول سنة 1030. وأَصبحت القُسطنطينية شيئًا فَشيئًا مركزًا مسيحيًّا هامًّا يُمثّل الفكر المسيحيّ الشّرقيّ، بَيْنَما رُوما وشمال أَفريقيا أَصبحتا يُنظر إِليهما كَمُمثلٍ للفكرِ المسيحيّ الغربيّ.
كان قَد سبقَ قُسطنطين إِلى كُرسِي الإِمبراطوريّة الرُّومانيّة الإِمبراطور دقلديانوس مِن سنةِ 284 إِلى 305، وَمِنَ المعروفِ أَنَّ دقلديانوس حارب المسيحيّين والمسيحيّة بِضراوةٍ، حتَّى اعتبرت الكنيسةُ المِصريّة (الأَقباط) سنةَ 284 بدايةً للسّنةِ القبطيّة، “تَقويم الشُّهداء”! وكان مِنْ ضمنِ هجماتِ دقلديانوس على المسيحيّين أَنْ أَلزمهم بِتَسلمِ مَا لديهم مِنْ كِتاباتٍ مسيحيّةٍ مُقدّسةٍ! وأَرتدَ كثيرونَ عَنْ الإِيمانِ المسيحيّ، مِمَّا جعلَ الكنيسة تُواجهُ مُشكلةً كبيرةً جدًّا فِي كيفيَّةِ التّعامل مَعَ المُرتدِّين عِنْد رغبتِهمْ فِي العودةِ لِلكنيسةِ. وتَرتّب على ذلك انشقاق “الميليتسيّين”، نسبةً لِلأُسقُفِ ميليتس أُسقُف ليكابوليس (أَسيوط) فِي الشّرقِ، و“الدُّوناتيّين” فِي الغرب،  مِمَّا قد نتحدّثُ عنهُمَا فِي مَقالٍ لاحقٍ.
وَإِذْ جاءَ قُسطنطين مِنْ بَعْدِ اضطهادات دقلديانوس العنيفة، وإِذْ تحوّل قُسطنطين للمسيحيّة، نظرَ بعضُ المسيحيّين لِهَذَا التّحوّل بِأَنَّهُ كان بركةً كبيرةً للمسيحييّن! بَلْ إِنَّ مُؤرّخَ الكنيسةِ العظيم فِي أَيَّامِ قُسطنطين -بطريرك قيصريّة- الأَنبا يُوسَابِيُوس أَشادَ كثيرًا بِقُسطنطين!
إِلَّا أَنَّ هُناك مِنَ الجانبِ الآخَر مَنْ يعتبِرُونَ أَنَّ تحوّلَ قُسطنطين إِلى المسيحيَّة كانت لَهُ جوانبٌ سلبيّة، بَلْ يَعتبرُهَا البعضُ كَارِثِيَّة، إِذْ بعد إِن كانت المسيحيّةُ غاليةً جِدًّا، وقد تُكلّف المسيحيّ حياتهُ، أَصبحت بوابةً للامتِيَازَاتِ!
فَإِذْ أَصبحت المسيحيّةُ الدّيانةَ الرّسميّة للإِمبراطوريّة، انضمّ كثيرونَ جِدًّا للكنيسةِ ولِجمَاعةِ المسيحيّين، إِذ أَصبح ذلك وسيلةً للوصولِ لبعضِ المراكزِ والامتيازاتِ، كما تمَّ إِعفاء مَنْ يخدمونَ الكنيسة مِنْ أَساقفةٍ وغيرِهمْ مِنَ الضّرائبِ ومَا إِلَى ذلك، بَلْ أَصبحوا يتمتّعُونَ بامتيازاتٍ خاصّةٍ! وقام الإِمبراطور ببناءِ بعض الكنائس فِي بعضِ المواقع! ومِمَّا يُذكرُ للإِمبراطور قُسطنطين أَنَّهُ طلبَ مِنْ يُوسَابِيُوس القيصريّ أَن يُعدَ خمسين نُسخةً مِنَ الكِتَابِ المُقَدّس لِوضعِهَا فِي الكنائس، وبصفةٍ خاصّةٍ فِي القُسطنطينية ومَا حولها، ورُبّمَا كان ذلك كَرَدِّ فعلٍ لِمَا فعلهُ دقلديانوس مِن حربٍ ضدّ الكتاباتِ المُقدّسة. ويبدو أَنَّ المخطوطةَ السّينائيّة كانت ضمنَ ما طلبَ الإِمبراطور قُسطنطين مِنْ يُوسَابِيُوس القيصريّ إِعدادهُ للكنائس. وبِهَذِه المُناسبة، فَإِنَّنِي أَعتقدُ أَنَّنا سوف لا نُفاجأ إِنْ تَمَّ اكتشاف المزيد مِن الكِتَاباتِ المسيحيّة المُبكّرة فِي تُركيا! إِلّا أَنَّهُ برغمِ كُلّ هذا هُناك مَنْ يتساءلون: هَلْ كان قُسطنطين مسيحيًّا حقًّا؟ إِنَّهُ لَمْ يَقبل المعموديّة إِلَّا وَهُوَ فِي فِراشِ الموت!
ويُؤخذُ فِي الاعتبارِ أَنَّ الإِمبراطوريّة دَعّمت الكنائس ماديًّا كثيرًا؛ فزادت مواردُ الكنيسةِ زِيَادةً مَلحُوظةً. وكان اهتمامُ الأَباطرةِ باستقرارِ الإِمبراطوريّة وهدوئِهَا دافعًا لِعَقدِ المجامع (السُّنُودسَات) الهامّة لِتحديدِ العقَائد الأَساسيّة فِي الكنيسةِ. فَكان مَجمعُ (سنُودس) نِيقيّة سنة 325 بِدعوةٍ مِنَ الإِمبراطور قُسطنطين، وكذلك كان انعقادُ سائر المجامعِ بدعوةٍ مِنَ الأَباطرةِ وبِحضورِهمْ أَو حضور مُمثّلِيهمْ.
كَانَ الإِمبراطور قُسطنطين مُغرمًا بِالملابسِ الفَاخرة والأَروابِ ذات الأَلوانِ النَّاصعة، فَأَهدى أَساقفةَ بعض الكنائس الهامّة ملابسَ فاخرةً.  وإِذ نَقرأُ وصفًا لِمجمعِ نِيقيّة، نُلاحظُ دورَ الإِمبراطور قُسطنطين ومظهرهُ بملابسِهِ الفَاخرة، مِمَّا أَوحَى للجميعِ بالوقارِ والاحترامِ بَلْ والرّهبةِ أَيْضًا! وكذلك كان مظهرُ الأَساقفةِ بِملابسِهمْ الفَاخرة ..الخ، وَمِنْ هُنَا دخلت الأَزياء الَّتي أُطلِقَ عَليهَا اسم الكهنوتيّة إِلى الكنيسةِ. وأَدخل قُسطنطين استخدام الشّموع فِي العِبادةِ الْمَسِيحِيّة، أَمَّا استخدامُ البخور، فرغم أَنَّ الَّذِين تَعبّدُوا فِي الْمَغَايرِ استخدموهُ لِتنقِيّةِ الأَجواء، إِلَّا أَنَّ المسيحيّين فِي القرنِ الأَوّل نَفرُوا مِنْ استخدامِ البُخور، رغم استخدامهِ الواسع فِي العَهْدِ القدِيم، والإِشارة إِليهِ فِي الْعَهْدِ الجديد (فِي18:4؛ رؤ5:8)، لأَنَّ تقدّيمَ البُخور ارتبطَ بِتقدّيمِ العِبادةِ لِلآلهةِ الوثنيّة والتّوقِير لِلإِمبراطور. ولِذلك فَسّرُوا إِشارات العهدِ الجديد لِلبُخورِ بالتّعبير عَنْ الصّلاة.  كَما أَنَّ قُسطنطين شجّع زيارة “الأَماكن المُقدّسة” مِمَّا لَم يكن مسبُوقًا مِنْ قَبل! وكان لوالدتهُ “القدّيسة هِيلَانة” دورًا كبيرًا فِي هَذَا المجال، إِذ قامت بِالبحثِ عَنْ صليبِ المسيحِ وأَدواتِ الصّلبِ حتّى وجدتها! وتعمّقت كثيرًا فكرةُ البركاتِ الَّتي يَحصلُ عَليهَا المرءُ بِزيارةِ الأَمَاكن المُقدّسة، الَّتِي لا زَالت أَصداؤُهَا تَتردّدُ حتَّى اليوم، بصورٍ وأَشكالٍ كثيرة!! وأَصبح مَنْ يزورُ الأَماكن المُقدّسة يُطلق عليهِ اسم “المِقدّس” وفِي اليُونانيَّةِ يقولونَ عَنهُ حَجِي، مِنَ الكَلِمَةِ اليُونانيَّة الَّتِي تَعنِي “قدّوس”، الَّتي يَبدو أَنَّ اللُّغةَ العربيَّة أَخذتها عَنْ اليُونانيّةِ، فأَصبح الحديثُ عَنْ الحجِّ  وعَنْ الحجِيجِ. وأَصبحت هذه كلماتٌ عربيّة!
 انتهت الاضطهادات، وازدادَ عددُ الكنائس كثيرًا، وازدحمت بالحاضرِين، إِلَّا أَنَّهُ باتَ واضحًا أَنَّ الرُّوحَانِيّةَ ضَعُفت، وانغمسَ بعضُ قادةِ الكنيسةِ فِي إِدارةِ شئونِ البلادِ والتّوجّهاتِ السّياسيّة المُختلفة، وبَدأَ استخدامُ الذّهب والهدايا الفَاخرة وغيرها للوصولِ للمآربِ الشّخصِيّة، مِمَّا يفيضُ بِهِ تاريخُ الكنيسةِ فِي قُرونِها الأُولى، واستمرت تأثيراتهُ حتَّى اليوم، فِي انتصارٍ واضحٍ للطّبيعةِ البشريَّة بِكُلِّ ضَعفاتِها!
وأَتركُ للقَارئِ العزيز أَنْ يَزنَ الأمورَ مِنْ كَافةِ الجوانبِ، ليرى هَلْ عِنْدَمَا أَصبحت المسيحيّةُ الدّيانةَ الرّسميّة كان ذَلك بركةً للمسيحيّةِ والمسيحيّين؟ لازالت “المسيحيّة” الدّيانة الرّسميّة فِي بَعضِ بِلادِ أُوربا، بَلْ إِنَّ حكوماتِ بعض هَذِه البلاد تَفرِضُ ضرائبَ عَلَى الشّعبِ لِصَالحِ الكنائس الرّسميّة وخدماتِها، بِمَا فِي ذلك مُكافآت خُدام الكَلِمَةِ!
كَمَا أَتركُ للقَارئِ الإِجابةَ على السّؤالِ: هَلْ هُنَاك دروس نَتعلّمها مِنْ هَذَا التّاريخ ونَحْنُ نُواجه حالَنا اليوم؟